الشريط الإخباري

التجسس والعمالة.. بقلم: عبد الرحيم أحمد

قد لا يحتاج المتابع للشأن السوري واللبناني وفي المنطقة بشكل عام إلى جهد كبير لإثبات أن التجسس الإسرائيلي في الأرض والسماء على الدول المحيطة بفلسطين المحتلة هو في أشد حالاته لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بالفوضى التي اجتاحت هذه البلدان، وبعضها الآخر يتعلق بالقلق الإسرائيلي من تنامي قوة جبهة المقاومة وتطور قدراتها العسكرية التي تشكل تهديداً مباشراً لوجود الكيان المحتل.

التجسس والعمالة ليسا حالة جديدة، وهي قديمة قدم الحروب بين الدول والشعوب ولكنها تطورت عبر الزمن، وأخذت أشكالاً متنوعة وأساليب جديدة لم تتوفر للمتصارعين قديماً، فقد أصبحت التكنولوجيا والاتصالات من الأقمار الاصطناعية إلى الإنترنت والهواتف المحمولة والطيران المسير، أهم ميادين أدوات التجسس في العالم الحديث، لكن رغم ذلك بقي الإنسان هو العامل الأهم في تنفيذ عمليات التجسس التي تعطي نتائج دقيقة على الأرض.

ومن هنا نجد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي ومنذ نشأته المشؤومة على أرض فلسطين عمد إلى زرع الجواسيس، وقصة الجاسوس الإسرائيلي (إيلي كوهين) الذي زرعه الكيان المحتل في سورية في ستينيات القرن الماضي والذي انتهى به الأمر بالإعدام شنقاً في ساحة المرجة وسط دمشق، هي من أشهر عمليات الجاسوسية وإن لم تكن أكثرها أهمية.

ملف الجاسوسية لاينفصل عن ملف العمالة والخيانة، فهما وجهان لعملة واحدة، فحيثما لا يستطيع كيان الاحتلال زرع جواسيس من جنسيات أجنبية، يعمد إلى تصنيع وتجنيد جواسيس وعملاء من الدولة التي يستهدفها، والساحة السورية هي واحدة من الساحات التي يستهدفها التجسس الإسرائيلي باعتبارها واسطة عقد المقاومة وأهم حلقة فيها.

وفي ظل خروج مناطق عن سيطرة الدولة بسبب الإرهاب، كان من السهل على العدو الدخول عبر تلك الجيوب الخارجة عن السيطرة للولوج إلى مناطق سيطرة الدولة، وكذلك استغلال بعض اللاجئين في بلدان اللجوء لتجنيدهم جواسيس وعملاء ضد بلدهم حيث العديد منهم في الأساس ينتمون للتنظيمات الإرهابية.

ما جرى تداوله عبر الإعلام اللبناني منذ أيام سواء كان الخبر صحيحاً أم لا عن اعتقال أجهزة الأمن اللبنانية طبيباً سورياً مقيماً في السويد جندته الاستخبارات الإسرائيلية لجمع معلومات وخرائط البنى التحتية في بعض المناطق السورية تحت ستار شركة تزعم أنها تريد تقديم مساعدات لتنقية المياه في سورية، هي قصة من عدة قصص قد تكون مخفية وغير مكشوفة لعملاء وجواسيس ربما يعملون ليل نهار لتزويد كيان الاحتلال بمعلومات سرية مقابل حفنة من الدولارات أو اليوروهات.

قصة العمالة تبدأ عادة بمشروع ما ويتم توريط العميل أو الجاسوس المراد تجنيده بحيث تصبح رحلة التراجع خطيرة لجهة حياته أو سمعته، واعترافات الجاسوس المذكور كما تداولتها الصحافة تشير إلى أنه اكتشف بعد مدة أن مشروع تنقية المياه ليس إلا غطاء، لكنه لم يتراجع رغم أنه ليس بحاجة إلى الأموال فهو رئيس قسم الكلية في مشفى محترم في السويد ويتقاضى راتباً شهرياً كبيراً.

القصة تدعونا جميعاً للانتباه لما يمكن أن يتم توريطنا به عبر مخططات ظاهرها إنساني وباطنها وهدفها استخباراتي خسيس، فكم من رسالة تصل للعديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أو عبر البريد الإلكتروني أو الماسنجر من شخصيات تكون في أغلب الأحيان تحت مسميات نسائية مع صور جاذبة للتعارف ومناقشة قضايا عامة لتكون مقدمة للتوريط وبالتالي التجنيد.

لذلك من المهم جداً أن نتوخى جميعاً الحذر في التواصل مع أصحاب الحسابات غير المعروفة بالنسبة لنا والتدقيق في مفردات وتفاصيل تلك الحسابات حتى لا نقع ضحية التجسس وإلحاق الضرر بعائلاتنا ووطننا من دون أن نعلم.

يقول الكثيرون: إن العدو لديه قدرات استخباراتية جوية متطورة وهو لن ينتظر للحصول على صورة أو خريطة أو معلومة قد تبدو لنا تافهة وسخيفة، ولكن بالتأكيد مهما تطورت التقنيات الحديثة في الفضاء والانترنت والاتصالات يبقى العامل البشري على الأرض هو الأهم في تأكيد المعلومة وتحديثها، وإلاّ لما وجدنا عدونا يجنّد هذا الكم من العملاء والجواسيس في لبنان وسورية وغيرها من الدول، ويصرف عليهم بسخاء.

وهذا يقودنا للحديث عن ضرورة تقييم أي صورة نريد نشرها سواء كانت لموقع جغرافي أو لنتائج عدوان جوي أو لموقع عسكري أو صورة لضابط في الجيش العربي السوري وموقعه ومسؤولياته، فما ننشره على شبكات التواصل الاجتماعي هو كنز معلومات تعمل أجهزة استخبارات العدو على التنقيب فيه وتحصل منه على معلومات قد تكون خطيرة.

هامش: وصلتني شخصياً عبر المسنجر طلبات عدة من حسابات بأسماء سيدات أجنبيات أعربن عن إعجابهن بملفي الشخصي وما أنشره على صفحتي على الفيسبوك، وطلبن مناقشة “أمور هامة”، ولكن ليس على الماسنجر بل على بريد الكتروني أرسلنه لي.. وعندما طلبت أن يكون الحديث على الماسنجر رفضن “لأسباب أمنية” وقلن: إنهن يتحدثن فقط عبر بريدهن الإلكتروني، وعندما رفضت لم يعاودن الاتصال!!.

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency